هل تخفي النعامة رأسها حقا في الرمال؟
نعم، إذ أن طيور النعام علي الرغم من طول رقابها، وارتفاع قامتها عن غيرها من الطيور، فإنها قصيرة النظر، لأنها تعيش في مراعيها باحثة عن ثمار نبات الحنظل، وهو من النبانات التي تفترش الأرض افتراشا مثل الشمام والقرع العسلي والبطيخ، فتقترب برأسها من الأرض لدرجة تعجز معها عن رؤية ما يحيط بها من أخطار.
وقد حباها الله بالفطرة، فتعلمت أن ترهف سمعها للتصنت علي وقع خطوات الحيوانات المفترسة، وتعلمت بفطرتها أن انتقال الصوت في المواد الصلبة، أسرع كثيرا من انتقاله في الهواء، لذلك فهي تدس رأسها في الرمال بين الحين والآخر، من أجل التصنت علي الذبذبات التي ينتشر صداها في الأرض من مسافات بعيدة، لوقع خطوات الحيوانات الخطرة، وتميز أيضا الاتجاه الذي تأتي من ناحيته تلك الأصوات، فتكون حافزا لها علي الهرب في الاتجاه الذي يضمن سلامتها من الوقوع بين براثن الوحوش.
وقد تعلم الانسان من طيور النعام هذه الخبرة النادرة، فكان القرويون في مصر يضعون آذانهم علي قضبان السكك الحديدية، لينصتوا لصدي دمدمة عجلات القطار القادم من بعيد، ويتوقعوا اقترابه بعد فترة من الزمن يختلف مداها علي حسب قوة انتشار صدي صوت دمدمة العجلات أو ضعفها، وفي الجيوش المتخندقة في الصحاري والغابات، تعلم الجنود أن يدفنوا قنينة أو زمزمية ماء فارغة تحت سطح الأرض، ويوصلوا منها خرطوما أحكم تثبيت أحد طرفيه علي فوهتها، ويجعلوا طرفه الآخر قرب أذن أي جندي، ليتصنت أيضا علي صدي أي حركة تدب فوق سطح الأرض، لانسان، أو حيوان، أو مركبة، أو دبابة، إنها نفس الطريقة التي يقوم بها الطبيب بالكشف علي قلوب مرضاه، مع أختلاف الوسيلة، فالطبيب يستخدم سماعته الطبية.
فسبحان من أعطى كل شئ خلقه ثم هدى.