رغم حداثة سنها بصفتها طالبة على مقاعد الدراسة، إلا أن وقفتها في الطابور الصباحي توحي بالتعب، وجهها شاحب وثمة هالة داكنة تحيط بعينيها وهي تطالع ما حولها بنظرات ذابلة.
- هل أنت مريضة؟
سألتها بإشفاق، اتكأت على الجدار بعدم توازن قبل أن تجيب بصوت ضعيف: لست مريضة لكني لم أتناول طعاما منذ ظهر أمس .. ريجيم!
تأملت الجسد النحيل لصبية في مطالع المراهقة: أنت تتبعين الريجيم؟! ما زالت في مرحلة النمو وجسمك بحاجة إلى تغذية سليمة!
استمعت بإنصات واستغراب قبل أن تقول بلهجة من ينهي جدالا في مسألة محسومة: بس أنا بنت ولازم أكون رشيقة، ما بدي أكون ممتلئة .. هكذا تقول لي أمي كل يوم!
تركتها تصعد لغرفة الصف، عمر الصبا وخطى العجائز، أسفت لزمن يحتفى فيه بالمظاهر الخادعة على حساب الجوهر، ويغلب فيه الفراغ الفكري وتتجلى صرعات "النيولوك" وهوس النحافة وبدعة الفتنة والجاذبية واختزال المرأة من كونها إنسانة متكاملة إنسانية وفكريا وأخلاقيا لمجرد جسد متناسق ووجه جميل، وما يترتب من أعباء ثقيلة نلقيها على كاهل فتياتنا الصغيرات.
لا ننكر أن الاهتمام بالوزن مطلب صحي وجمالي، لكن لذلك ضوابط لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ولا يجوز أن نترك المسألة تتحول هوسا يتلبس الكبار والصغار، وما يتمخض عنه من اتباع لطرق ووسائل غير صحية وغير آمنة تحمل في ثناياها آثارا جانبية آنية أو مستقبلية أو كليهما معا، ويتم إغفالها لأسباب ربحية بحتة، ويتم الترويج لها بوسائل براقة لا حصر لها، أشدها خطورة وتأثيرا تلك الصور - المصيدة، التي ترافق الإعلانات التجارية المثبت أسفلها قبل وبعد ...!
كيف لنا وسط هذه الدوامة الإعلامية أن نحمي أنفسنا وبناتنا مما يعايشنه ولا يعبر عن الواقع ولا يحترم الأبعاد الثقافية والأخلاقية للحضارة التي ننتمي لها؟! أهو زمن التحدي الأصعب للآباء والمربين وللأنظمة التربوية برمتها؟!